علبة الفُشار، والحمية الصحية، ومنظومة تقييم أداء الموظف الحكومي

أجرى أحد مراكز الأبحاث دراسة غريبة نوعا ما. قاموا بتوزيع فشار مجاني في إحدى صالات السينما. الفشار تم إعداده قبل العرض بخمسة أيام. كان سيئا (بس مال بلاش).

أُعطي نصف الحضور علب من الحجم الصغير، والنصف الآخر من الحجم الكبير.

بعد نهاية الفيلم سُئِل بعض المشاهدين عن جودة الفشار، وكلهم بلا استثناء عبروا عن استيائهم. البعض طالب باسترجاع فلوسه، نسى إنه ببلاش.

بعد مغادرة القاعة قام الباحثون بوزن ما تبقى من كل علبة فشار لمعرفة الكمية التي أكلها كل شخص (رغم أنه رديء). النتيجة: أصحاب العلب الكبيرة أكلوا أكثر من أصحاب العلب الصغيرة بأكثر من 50%.
قام الباحثون بتكرار التجربة في عدة قاعات سينما حول الولايات المتحدة. النتيجة تكررت. فشار قديم ولا ما قديم، أصحاب العلب الكبيرة دائما يأكلوا أكثر.

التجربة أثبتت للباحثين فرضيتهم وهي أن كل شخص سيحاول استخدام كل ما أعطي ما دامت لا توجد أي قيود خارجية.

لكن الباحثون فكروا من الجانب الآخر فائدة العلب الصغيرة التي دفعت المشاهدين لأكل كمية أٌقل، واستنتجوا أن القيود (الحجم) تساعد علي تغيير السلوك. فمثلا لو أراد شخص الدخول في حمية صحية فاستخدامه لصحن صغير يساعده على الشعور بالامتلاء بكميات أقل، كذلك تناول الطعام بالملعقة أو الشوكة (بدلا ما تضرب بالخمس).

الفكرة العامة أن كثير من محفزات التغيير لا تأتي من الخارج وإنما من البيئة المحيطة، ولإحداث هذا التغيير وجعل الناس تتقبله، عليك وضع حدود تجعل من هذا التغيير يبدو صغيرا وتسهل من عملية تقبله.
لا أدري لماذا مرت هذه التجربة بالذاكرة وأنا أحضر ورشة منظومة تقييم الأداء الفردي بوزارة العمل، بل وأنا أكتب هذه الأسطر لا أدري إن كان هناك أي علاقة أصلاً بين التجربة ومشروع منظومة تقييم الأداء، لكنني سأحاول.

باختصار، ما رأيته في المنظومة الجديدة من دقة وحوكمة كان مبهرا، بل ربما مبهراً “زيادة عن اللزوم”. فمنظومة التقييم الجديدة شاملة ومفصلة وتعتمد على أفضل الممارسات في تقييم الأداء باستخدام الأهداف الذكية SMART ومفهوم الـOKR “ألأهداف والنتائج الرئيسية” ونظام المنحنى Bell Curve لتحقيق نوع من التوزيع الطبيعي Normal Distribution وإعطاء كل هدف وزن weighting ضمن خطة الأداء، وداخل كل هدف مجموعة من النتائج لكل منها وزنها الخاص.

كل هذا جميل، لكن.. وعلى كلام أخوتنا الغرب There’s a big BUT هل هذا التوجه منطقي؟ هل يعتقد صناع القرار بوزارة العمل أن الموظف الحكومي البسيط الذي طول سنواته بالخدمة لم يسمع بـ”تقييم” و “أداء” سيفهم الSMART والOKR وغيرها؟ أتفهم أن الوزارة تريد تطبيق أفضل الممارسات في القطاع الخاص لتطوير أداء الموظفين الحكوميين ولكن ليس باستخدام نظام مؤسسات القطاع الخاص نفسها لا تريد استخدامه بهذا التفصيل الممل.

من ضمن آمال وتطلعات الوزارة أيضا ربط الأهداف الفردية بالأهداف الاستراتيجية باستخدام نظام التتالي cascading أي أن الأهداف الاستراتيجية للوحدة الحكومية (الوزارة مثلا) تتحول لأهداف على مستوى الوكيل مثلا، والذي بدوره يحولها لأهداف على مستوى المديريات العامة، فيقوم كل مدير عام بتحويلها لأهداف عملية على مستوى الدوائر ثم الأقسام ثم الأفراد.

ولو افترضنا أن الأهداف الاستراتيجية للمؤسسة يتم تحديدها في بداية العام، فإنني سأتوقع أن عملية التتالي هذه ستؤدي لإعداد خطط الأداء الفردي في شهر مايو إن كان ذلك الموظف محظوظا، إذا ماذا كان يُقاس في الأشهر الأربعة الأولى؟

طبعا مقدمة الورشة قالت أنه ستكون هناك لجنة تظلمات للوقوف على أي إشكالية في المنظومة لكنني أجزم من الآن أن لجنة التظلمات ستتحول لمجموعة من اللجان لأن من كان ينتظر ترقيته من أكثر من 7 سنوات لن يرضى أن تذهب عنه لأنه لم يحقق أهدافه الذكية وفق مقياس الBell Curve المعتمد.


الخلاصة.. إن أردت أن تطاع، فاطلب المستطاع.

بواسطة Badr Al Jahwari

أضف تعليق