واحد شوارما… ثلاثة بيبسي!

لطالما أدمنت الكافيين بشتى أنواعه، لا صباح بدون كوب شاي أو قهوة. أستغرب من نشاط من لايشرب الشاي، من أين ياتي يا ترى؟ أذكر أن شيطان النوم غلبني ذات يوم فاستيقظت ولم يبق عن محاضرة الصباح إلا القليل، هرعت للصف ناسيا أو متناسيا كوب الشاي. مدة المحاضرة ساعتان، ولكن بعد الساعة الأولى بدأت نوبات اللاكافيين تصرعني، انعدم التركيز.. انعدمت الرؤية.. رفعت يدي.

–         دكتور.. ممكن أطلع شوي؟

–         ليش؟

–         اممم.. بروح أخذ كوب شاي.

ضحك الجميع.. انتظرت صاعقة تأتي من الدكتور. إلا أن جوابه كان:

–         جيب لي واحد.. على حسابك.

ايقنت حينها أنه هو أيضا ضحية الكافيين، من يومها لم أدخل قاعة المحاضرة إلا وكوبي شاي في يدي – لي وللكتور – بهذا ضمنت العلامة الكاملة في تلك المادة.

رغم إدماني للشاي إلا أن ملك الكافيين بالنسبة لي كان الكولا. أي وجبة دسمة لا تنتهي بـ”بيبسي” ليست وجبة! أعترف أن إدماني كان مبالغا في طفولتي إذ أن مصروف جيبي لا ينتهي سوى بعلب البيبسي، أحيانا كنت أجد في يدي أكثر من مائة بيسة واحدة، وكان تفسيري لهذه الظاهرة أنه يجب أن أشتري أكثر من علبة واحدة.

درست في مدرسة داخلية، وكنا – أي الطلبة – نبتعد عن وجبة العشاء التي تقدمها المدرسة ونفضل شراء الساندويتشات من أي مطعم خارجي. أنشأنا نظام “طلبات” إذا يقوم طالب كل ليلة بالمرور على غرف السكن الداخلي حاملا دفتره وقلمه يسجل ما يريده كل طالب للعشاء ويستلم المبالغ منهم، بعدها يتصل بأحد المطاعم ويعطيهم “الطلبية” كاملة، وعندما تصل يقوم هو بتوزيع الوجبات على الطلبة. أذكر ذات ليلة أنه كان علي تسليم بحث مطول يحتاج لليلة كاملة من الكتابة، فطلب ساندويتشة شوارما وثلاث علب بيبسي، مبالغ نوعا ما، ولكنني كنت محتاجا لها تلك الليلة. من يومها – وقد مضى أكثر من 15 سنة على الحادثة – إلا أن أصدقاء الدراسة الذين لا زلت ألتقي بهم يذكروني بتلك الحادثة، إن اجتمعنا في أي مطعم وجاء دوري للاختيار قالوا كلهم “واحد شوارما… ثلاثة بيبسي”.

رغم عشقي للبيبسي إلا أن هناك اشتراطات معينة وضعتها لنفسي، أولا: البيبسي يأتي بعد نصف ساعة من الوجبة. أي سائل يتم تناوله أثناء الوجبة أو بعدها مباشرة وظيفته الأساسية تسهيل عملية الهضم المباشرة. البيبسي أكثر قداسة من أن يستخدم لهكذا وظيفة وضيعة، يجب أن يشرب على معدة هادئة لأنه –  بلهجة أهل الشام- “مزة” لها طقوسها الخاصة. الاشتراط الآخر أن لا أشرب البيبسي على معدة خالية لما له من مضار صحية أعترف بها.. أخي هو الآخر مدمن للبيبسي.. لكنه لم يضع أي اشتراطات، فالعلبة رفيقته أثناء كل وجبة، حتى ولو كانت هذه الوجبة إفطارا في الساعة السابعة صباحا.. نتج عن هذا قرحة في المعدة جعلته يقاطع الكولا نهائيا.

لا زلت إلى اليوم أحافظ على معدل علبتين إلى ثلاث يوميا رغم إدراكي التام بالمخاطر التي تنتج عن ذلك، بيد أني أخادع النفس بأن الموضوع برمته معادلةٌ وتوازٍ لا أكثر، فكل ما أحتاج إليه هو نظام غذائي ورياضي صحي يكافئ مضار الكولا.. هي محاولة لإرضاء النفس التي اعترفت بإدمانها واعترفت أيضا بعدم رغبتها عن الإقلاع خاصة أننا في زمن يموت فيه الناس في حوادث السيارات أكثر من نوبات السرطان الناتجة عن التدخين والإدمان.

بواسطة Badr Al Jahwari

ثلاثينات


قريبا أكمل العقد الثالث من عمري.. ثلاثون عاما كيف مرت، بحلوها ومرها. أتساءل: كيف هي سن الثلاثين؟ ماذا يحدث بالضبط عند الانتقال إلى هذه المرحلة؟ لطالما أرّقني هذا السؤال، ما التغيرات التي ستطرأ علي جسديا وذهنيا؟ أحيانا أتخيل نفسي بوكيمون وصل لمرحلة التطور ولا يدري ماذا سيتطور بالضبط. بالنسبة لي بالطبع لن أحصل على أجنحة أو أي طاقات غريبة، لكن حتما ستكون هناك تغيرات..

قيل لي أنني ولدت الساعة الخامسة والنصف فجرا، حسنا، سأنتظر يوم ميلادي وعند ساعة الحسم سأحدق في المرآة علي أرى شيئا.. كلا.. المرآة لا تظهر إلا ما أريد أنا رؤيته. سأذهب للمستشفى وأطلب من الطبيب أن يجري علي أشعة مقطعية قبل وبعد ساعة الحسم ليفحص كل شيء.. دقات القلب.. الإشارات الدماغية.. كريات الدم الحمراء والبيضاء.. الكالسيوم.. البروتين.. كل شيء.. كل شيء.. يا إلهي، هل انا أبالغ؟

 أذكر أنني سألت أحد أصدقائي في بلاد العم سام بعد أن احتفلنا بعيد ميلاده الثلاثين عن شعوره فأجاب: It’s just the next thirties. بالنسبة له الثلاثينات ما هي إلا امتداد للعشرينات بجدها ولهوها، لكن بالنسبة لي الأمر مختلف، سيتحتم علي أن أغير كثيرا من طباعي..

سأتوقف عن لعب البلايستيشن وأستبدلها برياضة المشي.. سأرمي اسطوانات إيمينيم وبريتني سبيرز وأضع مكانها فيروز وأم كلثوم.. سأحرق روايات رجل المستحيل وملف المستقبل وأشرع في القراءة لسيد قطب ومحمد أركون.. لن أخرج من البيت مرتديا “جلابية” النوم، وسأتوقف عن شراء وتهريب المفرقعات أيام الأعياد.. سأحترم قوانين المرور وسأرتدي حزام الأمان في كل وقت.. سأقاطع المشروبات الغازية وأستبدلها بقهوة تركية.. سأفعل وأفعل وأفعل… لكن مهلا.. هل هذا حقا ما أريد؟

هل وصولي للثلانيات يعني أن أحرم نفسي مما أشتهي؟ هل علي أن أكبت الطفل في داخلي؟ هل الثلاثينات قاتمة لهذه الدرجة؟ إذا فسحقا لها.. لا أريدها.. سأوقف عقارب الزمن لأعيش ها هنا كيفما أشاء.. سأشتري العلكة والفشار.. سأستحم مع أقربائي الصغار في الفلج.. سأقفز.. سأغني.. سأرقص.. فما هي إلا حياة واحدة سواء كانت عشرينات أو ثلاثينات أو أربعينات.. فأجسادنا لا تشيخ إلا بعد أن تشيخ عقولنا.. استمتعوا بشبابكم.. لا تكبتوا الطفل داخلكم.. لأنه إن نام.. فلن يستيقظ!

بواسطة Badr Al Jahwari