شركات التوظيف: ماذا؟ وكيف؟ ولماذا؟

recruitment-agency

كثر في الآونة الأخيرة الحديث عن منصات التوظيف والشركات التي تعنى بالتوظيف، خاصة مع إشراك وزارة القوى العاملة لمنصات توظيف عمانية مثل “مجيد” في مشروع الـ25 ألف فرصة عمل، وأيضا مع اعتماد وزارة القوى العاملة لشركات توظيف لتوفير محاضرين عمانيين في كلياتها التقنية. سأحاول في هذا المقال شرح ماهية شركات التوظيف، وآلياتها، وأسباب حاجة السوق لها.

هناك ثلاثة أطراف في هذه القضية. الطرف الأول هو الشركة التي تحتاج للخدمة أو للموظف، وسنشير لها هنا ب”المؤسسة”. والطرف الثاني هو الشركة التي تعنى بتوفير الموظفين، وسنشير لها هنا ب”المزوّد”، والطرف الثالث هو الفرد الذي يقوم بالخدمة أو يشغل الوظيف المطلوبة، وسنشير له هنا ب”الموظف”.

هناك علاقات مختلفة بين هذه الأطراف الثلاثة، وتعتمد بشكل كبير على طبيعة عمل المزوّد وحاجة المؤسسة وموازنة القوى العاملة لديها. ولكن يمكننا تلخيص هذه العلاقات في نوعين.

لنبدأ مع النوع الأول، حيث يعمل الموظف رسميا لدى المزوّد، أي أن تعاملاته الرسمية واستحقاقاته المالية كلها تأتي من المزود بغض النظر عن طبيعة ومكان العمل. ويأتي بأشكال مختلفة، سأختصر منها نوعين. النوع الأول أن يكون المزوّد عبارة عن شركة خدمية، شركة تنظيف مثلا. وتتعاقد معه مؤسسة طالبة منه خدمات التوظيف. بالتالي المؤسسة تدفع من أجل الخدمة بغض النظر عن الأفراد الذين يقومون بتقديمها. في هذه الحالة فإن المبلغ الذي يدفع للمزود لا علاقة له بأي شكل كان بموازنات القوى العاملة في تلك المؤسسة، ولا يشغل الأفراد أي وظائف ضمن الهيكل الإداري للمؤسسة.

ولكن قد تتطور هذه العلاقة أحيانا بحيث تطلب المؤسسة من المزوّد عدداً معيناً من الموظفين يقومون بمهام معينة وفق وصف وظيفي معين. مثلا مركز طبي صغير في إحدى الشركات لديه كادره الطبي ولكنه يستعين بممرضين من مستشفى خاص للقيام ببعض مهام التمريض. هنا العلاقة شبيهة جدا بالعلاقة السابقة مع الفرق أن هؤلاء الممرضين يتم معاملتهم في المؤسسة وكأنهم موظفين فيما يتعلق بلوائح القوى العاملة، مثل قوانين الحضور والغياب وسياسات الصحة والسلامة.. إلخ، إلا أنهم رسميا موظفين لدى المزوّد وهو المستشفى الخاص.

هذه العلاقة تكون في كثير من الأحيان مثيرة للجدل، حيث لا يوجد استقرار وظيفي للموظف هنا فهو مرهون بالعقد المبرم بين المزوّد والمؤسسة، ومتى ما انتهى العقد ولم يتم تجديده فإن الموظف يصبح فعليا عاطلاً عن العمل. كما أن المبلغ الذي تدفعه المؤسسة يذهب للمزوّد، والذي بدوره يحول جزءاً منه للموظف ويستفيد من الباقي. وفي كثير من الأحيان يكون نصيب المزوّد أعلى بكثير مما يتقاضاه الموظف.

لماذا تلجأ المؤسسات لهذه الاستراتيجية؟ لأنها بهذه الطريقة أولاً تبتعد عن خطر الالتزامات طويلة المدى، فهي ليست مسؤولة عن تدريب الموظفين أو رفع مستوى معيشتهم، فهم فعليا يعملون لدى شركة أخرى. ويطلق الماليون على هذه الاستراتيجية عملية تحويل المصروفات الثابتة إلى مصروفات غير ثابتة. أي أن المؤسسة بإمكانها فسخ العقد مع المزوّد وبها تنتهي علاقتها بالموظفين.

 هذه الحالة تقريبا شبيهة بقضية المحاضرين العمانيين في الكليات التقنية والتي أشعلتها قنوات التواصل الاجتماعي تحت وسم #محاضري_الكليات_التقنية حيث أن من يقوم بالخدمة (التدريس) هم فعليا موظفون لدى شركات أخرى تزود الكليات بكوادر تدريسية (سواء كانت عمانية أو غير عمانية). ورغم أن هذه الاستراتيجية تقلل خطر الالتزامات طويلة المدى لدى الكليات إلا أنها لا توفر الاستقرار الوظيفي للموظفين مما يعني انسحابهم في أي لحظة يجدوا بها فرصة أخرى.

أما النوع الثاني فيأتي فيه الموظف عن طريق المزوّد، ولكنه في النهاية يصبح رسميا موظفا لدى المؤسسة وله درجة مالية فيها، وله موقع في الهيكل التنظيمي لتلك المؤسسة. وتلجأ المؤسسات لهذه الآلية عندما لا تريد بذل الكثير من الجهد أو الموارد في البحث عن الكفاءات، كنشر الإعلان واستلام طلبات التوظيف وفرزها وإجراء الاختبارات والمقابلات. فتقوم بكل بساطة بالتوصل مع شركة متخصصة في التوظيف (المزوّد) وتعطيها الوصف الوظيفي ويتفقان على آلية معينة، لنفترض مثلا أن الآلية هي أن يقوم المزوّد بفلترة جميع المرشحين ثم تقديم أفضل خمسة مرشحين للمؤسسة لتختار من بينهم الأفضل.

تستخدم هذه الاستراتيجية لأسباب مختلفة، من أمثلتها أن تكون الوظيفة متدنية وبالتالي فإن المتقدمين لها يكون كثر، ولا ترغب المؤسسة بإضاعة وقت موظفيها، فتوكل المهمة للمزوّد. أو أن تكون الوظيفة صعبة جدا، ولا يمكن إيجاد مرشحين أكفاء بالطرق الاعتيادية، فتلجأ المؤسسة لمزوّد متخصص في صيد الكفاءات Headhunter ولديه شبكة قوية يستطيع من خلالها إيجاد أفضل المرشحين.

السبب الآخر أن يكون للمؤسسة احتياجات معينة ولا ترغب بكشفها على الملأ أو لا تريد للعامة أن يعرفوا أن لديها شواغر، فتلجأ للمزوّد ليقوم بالمهمة بدون الكشف عن اسم المؤسسة. ولا يتم الكشف إلا في المراحل المتقدمة للفرز حيث يتم إطلاع المرشحين على اسم المؤسسة. ومن أشهر الأمثلة لهذا تلك الشركة العمانية التي طلبت موظفاً لمنصب مدير موارد بشرية واشترطت أن يكون من جنسية محددة، ولأنها تعي جيداً عدم قانونية هذا لجأت لمزوّد من خارج السلطنة ليقوم بعملها.

خلاصة الحديث… شركات التوظيف لها سلبياتها وإيجابياتها، وعلى المؤسسة دراسة جميع النواحي قبل اتخاذ أي قرار باستخدام هذه الشركات، ولكن في الحالات التي تكون فيها مهمة العمل ثابتة وبأجل طويل فإنه لا ينبغي إهدار المال لشركة خارجية إن كان بالإمكان ضم هؤلاء الموظفين في الهيكل الإداري للمؤسسة لا سيما إن كان هؤلاء الموظفين من أبناء البلد.. ولكم في #محاضري_الكليات_التقنية مثالا.

بواسطة Badr Al Jahwari

The Post: رسالة واضحى المعنى

the-post-122823

الصحافة، حرية التعبير، السلطة الرابعة، ثيمات متداخلة تجسدت مراراً وتكراراً في سينما هوليوود وفي مشروعها الدؤوب لتصدير الثقافة الأمريكية المتمثلة في التنوع والاحتواء وحرية الرأي. بيد أن هذه الثيمة قد أخذت منحنىً مختلفاً في العقد الأخير في ظل تضييق الخناق على الإعلام وحرية الرأي وسط التصعيدات السياسية والعسكرية التي اكتسحت العالم في الألفية الجديدة، ليس ابتداء بسقوط بغداد ولا انتهاء بانتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
ومن أبرز هذه الأفلام Spotlight الفائز بأوسكار أفضل فيلم عام 2015 من إخراج توم مكارثي والذي يتحدث عن كشف جريدة Boston Globe لقضية التحرش بالأطفال في الكنائس، في فضيحة كبرى هزت أركان الكنيسة الكاثولوكية وأظهرت قوة الصحافة عندما تؤدي دورها على أكمل وجه.
وللحديث عن دونالد ترامب، فمنذ بدء حملته الانتخابية وحتى بعد عام من انتخابه لم يتوقف عن معاداة العديد من الوسائل الإعلامية واصفاُ إياها بالتزوير والعمل لأجندات الديموقراطيين. فما كان من هوليوود وتحديدا رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية إلا أن ترد، وبدأ هذا بحفل جوائز الجولدن جلوب 2016 حيث ألقت الممثلة ميريل ستريب كلمة عصماء انتقدت فيها ترامب وغطرسته تجاه الصحفيين. ثم جاءت جوائز الأوسكار والتي كانت الأكثر تنوعاً في تاريخ الجائزة من ناحية تعددية الأعراق والثقافات كرد فعل تجاه توجه “سيادة البيض” التي ينتهجها ترامب.
ومع تضييق ترامب للخناق على الإعلام عادت ميريل ستريب في 2017 برفقة توم هانكس والمخرج الأبرز في هوليوود ستيفن سبيلبرج ليوجهوا رسالة مختلفة من نوعها هذه المرة في فيلم The Post والذي تتحدى فيه جريدة Washington Post (وفي اسم الفيلم رمزية لاسم الجريدة وللصحافة ككل في نفس الوقت) الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون حيث تقرر نشر تقرير يفضح فشل أمريكا في حربها على فيتنام وتدخلها في الانتخابات الفيتنامية، والاستنزاف المالي والبشري مع عدم اعتراف الحكومة الأمريكية بهذا الفشل حماية لسمعتها الداخلية والخارجية.
وجاء نشر التقرير صفعة لنيسكون وبداية سقوطه، وتلى ذلك فضيحة ووترجيت التي كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، والتي وثقها المخرج ألان باكولا عام 1976 في فيلمه “All the President’s Men” والتي انتهت باستقالة نيكسون في حدث هو الأول من نوعه منذ تأسيس الولايات المتحدة.
فيلم The Post هو رسالة لترامب بأن الصحافة أقصت نيكسون وهي قادرة على إقصاء ترامب متى ما أرادت. وعليه، فليس من الغرابة أن يكون آخر مشهد فيThe Post هو بالضبط أول مشهد في فيلم All the President’s Men، وكأن المخرج يقول لترامب “هذه هي بداية النهاية”.
بواسطة Badr Al Jahwari