نظرية اللعبة وحدودها الزمانية

ماذا لو نظرت للعالم وكل ما يحدث حولك على أنه مجرد لعبة، بها قوانينها وحدودها الزمانية والمكانية وآليات الفوز واحتساب النقاط؟

هذا كان سؤال عالم الرياضيات جون ناش في خمسينات القرن الماضي والذي وضع أساسيات #نظرية_اللعبة #GameTheory وأعطى تعريفا للعبة بأنها “أي تواصل بين عدة أطراف يكون فيه مردود أي طرف معتمدا على قرارات الأطراف الأخرى”.

بالمناسبة، جون ناش هو الشخصية المحورية في فيلم A Beautiful Mind عام 2001، والذي تطرق قليلا لنظرية اللعبة.

وفقاً للنظرية فإن هذا التعريف يمكن إسقاطه على الكثير من السياقات سواء في العلاقات الاجتماعية أو الاقتصاد أو السياسة أو الحرب، ولكن هناك نوعين من هذه الألعاب، نوعٌ تنافسي هدفه الفوز، وقد يكون الخصم ندا موازيا (كما في الحرب مثلا) أو عوامل خارجية (تحقيق أهداف مؤشرات الأداء مثلا). والنوعٌ الآخر تعاوني هدفه العدالة بحيث يحصل كل لاعب في اللعبة على حقه وفق مساهمته. وأبسط مثال على هذا قد يكون توزيع مكافآت نهاية العام، أو في مثال أبسط توزيع فاتورة العشاء على مجموعة أصدقاء قرروا الأكل سويا ولكن طلبوا وجبات مختلفة.

Split the Bill

في كتابه #TheInfiniteGame يقسم سيمون سينيك الألعاب إلى نوعين آخرين أحدها بحدود زمانية Finite والآخر بلا حدود Infinite، ويرى أن المؤسسات التي تحقق النجاح المستدام هي تلك التي تفكر بعقلية اللعبة اللانهائية، فلا تضع حدوداً زمنية لأهدافها وتعمل على التأقلم مع جميع المتغيرات لهدف واحد، هو البقاء في اللعبة وعدم الخروج منها.

InfiniteGame_3D.png

يقول سينيك، في اللعبة اللانهائية يتغير اللاعبون ولا تتغير اللعبة. أحد أبرز الإخفاقات في عدم استعياب هذا المفهوم كان متجسدا في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، فمع سقوط الاتحاد السوفييتي ظن الأمريكان أنهم فازوا (بعقلية الFinite) وأرخو دفاعاتهم، فظهرت الصين (اقتصاديا) وظهرت إيران (سياسيا) وظهرت كوريا الشمالية (عسكريا)، وما زالت اللعبة مستمرة.

من أبرز إسقاطات مفهوم اللعبة اللانهائية الشركات وأهدافها السنوية، إذ يبذل الرئيس التنفيذي كل جهد للوصول للرقم المنشود ذلك العام دون الاكتراث لما قد يسببه ذلك للسنوات القادمة.

أسريا، تجد ولي الأمر يجادل المعلم لرفع درجة ابنه ليتميز ذلك العام دون النظر لتأثير ذلك على تحصيل وعقلية الابن على المدى الطويل.

وآخر مثال – على مستوى السلطنة – قد يتمثل في دعم المنتج العماني لرفع مستواه وزيادة انتشاره ولو على حساب بعض الأهداف قصيرة المدى ولكن لتحقيق اكتفاء ذاتي للاقتصاد الوطني على المدى البعيد. الصين قبل بضعة سنوات لم تكون سوى مقلد للمنتجات الغربية، وكان مصطلح Made In China كناية عن ضعف الجودة، ولكن لأن الشعب تكاتف مع تلك النظرة ورضي مؤقتاً بتلك الجودة المتدنية وسعى لتحسينها، أصبحت كبرى الشركات تتنافس لوضع مصانعها بالصين.

كتاب The Infinite Game كتاب مهم جدا للجميع، مهم لرائد الأعمال الذي يريد بناء مشروع الخاص واضعا الاستدامة والنمو نصب عينيه، ومهم لصانع القرار الذي يجب أن يتحلى بالشجاعة للتنازل عن تحقيق بعض الأهداف القصيرة في سبيل الوصول للرؤية الأبعد والأشمل.

 

DSjNgxmU8AAZ7aP.jpg

بواسطة Badr Al Jahwari

أضف تعليق