الشهادات الجامعية وسوق العمل العماني

 

IMG-20180824-WA0042
دعوني أتحدث قليلا عن الهرج والمرج الذي ساد بعد إعلان عدد من كبرى الشركات الأمريكية إسقاط متطلب الشهادات الجامعية للوظائف.
وأعتذر مقدما إن لم تلاقي آرائي موافقة البعض، خاصة المتفائلين جدا 😉
‏بادئ ذي بدء دعوني أوضح موقفي مباشرة، وهو أن هذا التوجه لن ينجح في عمان إلا بعد 20 سنة على الأقل. هناك الكثير من العوامل التي يجب أن تتوافر لكي ينجح توجه مثل هذا.
إليكم أهمها:
الاختلاف الجوهري بين حامل الشهادة الجامعية الأمريكي والعماني هو كيفية الالتحاق بالجامعة. ففي امريكا، ما دمت تملك المال، يمكنك الدراسة في أي مكان. هناك اشتراطات أساسية يجب توافرها، والباقي تتكفل به رسوم الدراسة.
بينما في عمان فإن مركز القبول الموحد هو من يدير عملية الالتحاق بالجامعات، ولو كنت تملك مال قارون لن تلتحق بكلية أو جامعة حكومية إلا بعد الحصول على درجة مشرفة في الشهادة العامة. أما أصحاب المال، فلا خيار لهم سوى الجامعات الخاصة (الأقل مستوى بطبيعة الحال) أو الابتعاث على نفقتهم.
عليه فإن الفرق بين الطالب الجامعي في عمان وفي أمريكا جلي منذ أول يوم، والقدرات الذهنية لها وزنها. وبالتالي فإن قيمة الشهادة الجامعية للسوق هنا أكبر مقارنة بنظيرتها هناك للسوق هناك.
‏6. الاختلاف الثاني وهو الأهم هو آلية اكتساب المعرفة والنضج الفكري. فهنا لا يوجد منصة لاكتساب المعرفة والخبرة مثل الجامعات والكليات، فلا ريادة الأعمال وصلت لنضجها، ولا المجتمع المدني له اكتفاؤه الذاتي.
بينما في أمريكا فإن اكتساب المعرفة مسألة حياتية، فالمجتمع المدني غني بفرص التطور، بينما تشهد ريادة الأعمال طفرة غير مسبوقة تسمح لأي مراهق باكتساب خبرات يحلم بها أي طالب جامعي.
‏العظماء الذين تركوا الجامعات مثل بيل جيتس ومارك زكربيرج وستيف جوبس لم يتوقفوا يوما من اكتساب المعرفة. فبيل جيتس مثلا يقرأ 60 كتاب في السنة. هذا المستوى من الوعي بالكاد تجده هنا لدى شخص لم يلتحق بالجامعة.
‏وعليه لا تلم الشركة الأمريكية إن فضلت الخبرة والموهبة على الشهادة، فلا الشهادة جاءت بعد جد واجتهاد، ولا الخبرة جاءت من فراغ. باختصار، هي ثقافة اكتساب المعرفة والنضج الفكري الذي لم يصل له مجتمعنا بعد.
‏الخلاصة هي أن من تختاره جوجل قد لا يحمل شهادة ولكنه يحمل خبرة ومعرفة يحلم حامل الشهادة بهما، بينما في عمان هذه الخبرة غير متوفرة خارج الإطار الدراسي. وعليه لن تخاطر أي شركة في عمان بتوظيف غير حامل الشهادة إلا لتقليل التكاليف لا أكثر.
بواسطة Badr Al Jahwari

لا استسلام: حربي التي دامت 40 عاماً

قرأت قبل فترة معلومة عن ضابط ياباني تم نقله لإحدى جزر الفلبين قبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولكن انقطعت الاتصالات بينه وبين القيادة في اليابان ولم يعلم بانتهاء الحرب واستسلام اليابان، فاستمر بالقتال في الفلبين لمدة 30 عاماً ظنا منه أن الحرب قائمة.
بحثت عن كتاب يوثق هذه الفصة ووجدت هذا الكتاب No Surrender: My Thirty Year War “لا استسلام: حربي اللتي دامت 30 عاماً). وهو عبارة عن مذكرات الضابط الياباني هيرو أونودا طوال مكوثه في الفلبين وحتى اقتناعه بالحقيقة وعودته لليابان.

No surrender.jpg

الكتاب لم يترجم حتى الآن سوى للإنجليزية. وبالتالي فهو فرصة رائعة لأي مترجم عربي يريد اقتناص فرصة عظيمة مثل هذه.
هيرو أونودا مثال حي لشخصية دون كيشوت الذي حارب الطواحين ظنا منه أنها وحوش. ولكن الفرق أن أونودا حارب كل من رآه على تلك الجزيرة ظنا منه أنه العدو. رغم كل الأدلة التي تصله والتي تؤكد انتهاء الحرب وإعادة بناء العلاقات بين اليابان والفلبين والولايات المتحدة، إلا أنه وجد طريقة لتفسيرها وفقاً لوجهة نظره وأن ما هذه سوى خدع أمريكية للإطاحة به.
يرسلون له طائرات ترمي بمنشورات ورقية في الادغال تطالبه بالعودة، فيرى خطأ إملائيا في إحداها ويفسر بأنها مزورة. يرى أجهزة يابانية في الفلبين، فيفسرها أنها حرب اقتصادية لغزو الفلبين بالمنتجات. يقرأ الجرائد والأخبار التي بها، فيفسرها بأنها مؤامرة أمريكية فلبينية لاستدراجه.
باختصار، هو رجل عاش بقناعاته الخاصة، فسر العالم كما يريد.. ودفع ثمن ذلك 30 عاما مشردا في أدغال الفلبين.
الكتاب رائع جدا يحكي قصة أونودا منذ طفولته والمبادئ التي تربى عليها والتي شكلت هويته التي تبلورت في تلك الجزيرة الفلبينية.

hiroo-jungle

بواسطة Badr Al Jahwari

متلازمة صنع الفشل

في عدد مارس 1998، نشر الأكاديمي الفرنسي البروفيسور جان فرانسوا مانزوني مقاله الشهير “متلازمة صنع الفشل” The Set-Up to Fail Syndrome، وهو باختصار دفع الموظفين الموهوبين للفشل عن طريق تكليفهم بمهام لا تليق بهم أو لا يستطيعون القيام بها.
هناك عدة سيناريوهات لهذا، منها وضع الموظف في فريق لا يتوافق معه، أو تكليفه بمهام لا تتوافق مع شخصيته (خاصة أنه كان يقدم أداء جيدا في مهامه السابقة). ولكن أكثر السيناريوهات خطرا من وجهة نظري هي الترقية السريعة للموظفين المجتهدين.
السيناريو كالتالي: لديك موظف مجتهد في عمله. تقوم بترقيته لمنصب أعلى.. بعد بضع أسابيع يكتسف أنه غير قادر على القيام بهذا العمل. الآن، لا يمكنك إعادته لعمله السابق لأن أحدا آخر قد أخذه، ولا هو يستطيع القيام بعمله الحالي. ولو بحث خارج المؤسسة فإنه لن يجد وظيف تعطيه الراتب المرتفع الذي تحصل عليه بسبب الترقية. النتيجة: الانتحار المهني. أن يستمر الموظف بالفشل فيما تستمر المؤسسة في محاولة رفع مستواه.. أو أن يستقيل ويرضى بوظيفة خارج المؤسسة براتب أقل مما لديه حاليا.
أين المشكلة؟ المشكلة أساسا تكمن في عدم التفرقة بين الأداء الحالي (performance) والأداء المستقبلي (potential). يراقب المسؤول الأداء “الحالي” للموظف فيخمن أنه قادر على تولي منصب جديد، فيقع في الفخ.
الحل؟ أن يتم تقييم كل موظف وبشكل دوري باستخدام مصفوفة المربعات ال9 والتي تقيس موقع الموظف من ناحية الاداء الحالي والمستقبلي، ويتم وضع الخطط التدريبية والتنظيمية بناء على ذلك. فإن أظهر التقييم مثلا أن للموظف أداء حاليا ضعيفا ولكن أداؤه المستقبلي عالٍ، فهذا يعني أن لديه القابلية للتطوير ولكنه لربما في المكان الخطأ. أما إن ظهر العكس فهذا يعني أنه مناسب لمكانه ولا يتحتاج للتغيير. أما لو أظهر التقييم أداء عالياً (حالي ومستقبلي) فهؤلاء هم قادة المستقبل التي ينبغي الاستثمار فيهم.

9-box.png

بواسطة Badr Al Jahwari

ما زاد عن حده، انقلب إلى ضده

في كتابه (داوود وجالوط: المستضعفون والمهمشون وفن مقارعة العمالقة) يتحدث مالكولم جلادويل عن المنحنى المقلوب، وعن الرقم السحري الذي يحقق النجاح، وإن قل أو زاد لم تتحقق الأهداف.

inverted

يضرب جلادويل العديد من الأمثلة، ابتداء من عدد الطلاب في الفصل الدراسي وانتهاء بشدة العقوبات على المجرمين. إن كان عدد الطلاب كثيرا، صعبت عملية التعليم ووجد المدرس تحديا في إعطاء كل طالب حقه. وإن قل عدد الطلاب، لم يجدوا المساحة الكافية للنقاش وتبدال الآراء المختلفة.
في كاليفورنيا تم تغليظ العقوبات على المجرمين بحيث أن من يرتكب ثلاثة جرائم يجد نفسه خلف القضبان مدى الحياة. هذا التوجه أدى بداية لانخفاض جذري في الجرائم، ولكن مع مرور الوقت وتشديد الشرطة من ضغطها على المجرمين أصبح هذا الرادع دون جدوى، وعادت الجرائم للارتفاع.

 

طبق هذه القاعدة البسيطة جدا في كل تفاصيل حياتك، وابحث عن الرقم السحري الذي يحقق التوافق.
قال تعالى: ((وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا))

david

 

 

بواسطة Badr Al Jahwari

العقد النفسي

في علم الموارد البشرية هناك ما يسمى ب”العقد النفسي” Psychological Contract، وهو علاقة بين الموظف والمؤسسة تتمحور حوله جميع التعاملات.
هو عقد عمل غير مكتوب، مبني على التوقعات والتنازلات، فالموظف عندما يصل لعمله قبل وقت الدوام بنصف ساعة فإنه يتنازل عن بعض من وقته الخاص لأجل المؤسسة، وعليه فإن المؤسسة قد تتنازل عن بعض قوانينها، فتسمح له بأخذ وقت أطول مثلا في استراحة الغداء. هي علاقة نفعية تبادلية غير مكتوبة.
والعوامل التي تشكل أركان العقد كثيرة، منها سلوك الموظف والتزامه وطول مدة عمله بالشركة، وايضا تاريخ الشركة وسمعة ادارتها بين الموظفين. فالموظف القديم والملتزم وصاحب السلوك الحسن تقابله إدارة الشركة بخدمات خارج اطار عقده الطبيعي، كحوافز اضافية، او ايام راحة اضافية، او ترشيحه لحضور حفل… من جانب آخر لو كانت سمعة ادارة الشركة بين الموظفين سيئة فإن عليها أن لا تتوقع من الموظفين بذل أي جهد اضافي خارج اطار الوصف الوظيفي.
المشكلة تكمن عندما يتم الإخلال بالعقد النفسي. عندما يقدم الموظف تنازلات عديدة، ولكن المؤسسة ترفض إعطاءه أي معاملة خاصة. عندها تحدث الاستقالة.
ما حدث للدكتور محمد المحروقي في جامعة نزوى خير مثال للإخلال بالعقد النفسي. ما قامت به الجامعة قانوني جدا، فالدكتور اضر بسمعة الجامعة بسبب تغريدته، فما كان من الجامعة سوى إقالته. لكن كان حريا بهم أخذ كل الإنجازات التي حققتها الجامعة بفضله. هذه أركان للعقد النفسي بينهما، والذي أخلت به إدارة الجامعة.
ea81c674-43c5-40d6-99ee-e1790e9e4cbd-original
بواسطة Badr Al Jahwari