I could’ve gotten one more person, and I didn’t.
جملة قالها الصناعي الألماني أوسكار شينلدر – الذي لعب دوره ليام نيسون في التحفة الخالدة لستيفن سبيلبرج Schindler’s List – قالها بعد أن باع كل ممتلكاته ليشتري حرية 1100 يهودي وينقذهم من المحرقة النازية.. قالها وهو يبكي متفكرا بالبذخ الذي عاشه والأرواح التي كان يمكن له إنقاذها لو تخلى عن المزيد من مقتنياته.
هذه الجملة تتداخل في عمقها وقوتها مع ما قاله ديسموند دوس، الجندي الأمريكي الذي رفض أن يطلق رصاصة في الحرب، مؤمنا بأن القتل مهما كانت أشكاله وأسبابه خطيئة لا تغتفر، فآثر الانضمام للجيش ليكون مسعفا ينقذ الأرواح بدلاً من حصدها.. وعندما رأى رفاقه يتساقطون في أرض المعركة أخذ يجرهم خارج الجحيم واحداً تلو الآخر وهو يدعو ربه: Dear God.. Let me get one more.
يعود ميل جيبسون هذا العام ليثبت أنه مخرج من طراز العظماء، لا ينتج كثيراً ولكنه عندما يقدم عملاً تجده يضع فيه خلاصة تجربته.. بدأ عام 1995 ليقدم رائعته Braveheart ، ثم انتظر تسعة أعوام ليعود بفيلم Passion of the Christ الذي أثار سخطاً وجدلاً تنارع من حوله النقاد بين من وصفه بالعبقرية ومن ينعته بالهرطقة. وفي 2006 أخرج Apocalypto ذلك الفيلم الفريد من نوعه والذي حقق نجاحاً باهرا في شباك التذاكر رغم أنه كان بكامله بلغة قبائل المايا في أمريكا الجنوبية.
بعد 10 سنوات يعود ميل جيبسون بتحفة جديدة تحمل في طياتها كل التناقضات من دمار ودماء وإيمان وشجاعة رغم أنها ليست سوى تجسيدٍ لقصة حقيقية أقل ما توصف به أنها مستحيلة.
يتحدث فيلم Hacksaw Ridge عن ديسموند دوس، شاب من ولاية فرجينيا قرر الانخراط في الجيش خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن بسبب مسيحيته المتشددة كان لا يؤمن بالقتل مهما كانت الأسباب. وتم اعتباره نقطة ضعف في الجيش بسبب تمسكه بمبادئه كونه “لن يستطيع الدفاع عن نفسه”.
وفي الاجتياح الياباني عام 1945 قبيل نهاية الحرب وتحديدا في مدينة أوكيناوا، ظهر معدن ديسموند، الذي أنقذ حياة 75 جندي وأخرجهم من جحيم المعركة دون أن يحمل سلاحاً أو يطلق رصاصة.
الفيلم رغم خطية قصته إلا أنه يحمل معانٍ عميقة قلما نراها في أفلام الألفية الأخيرة، وتحديداً في اعتبار التدين نقطة قوة لا ضعف… إحدى أجمل اللقطات بنهاية الفيلم تظهر فيها الكتيبة بأكملها تنتظر أن ينتهي ديسمون من صلاته لتعاود اقتحام تل هاكسو الذي استعصى عليهم مراراً.
على مستوى الإخراج فقد قام ميل جيبسون بتكثيف الجرعة الدموية ، بل أحيانا الإفراط فيها لإظهار بشاعة الحرب والجحيم الذي ألقى ديسموند نفسه فيه.. بل إن أول مشهد للاقتحام سيعيد المشاهد حتماً لمشهد الإنزالية في Saving Private Ryan ولكن بدموية أشد.
لعب دور ديسموند الشاب أندرو جارفيلد الذي سطع نجمه قبل 4 سنوات في دور Spiderman، ولكنه هذه المرة قدم شخصية مختلفة وأداء متقن سيرشحه لا ريب لأوسكار أفضل ممثل هذا العام.
لن أبالغ لو قلت أن Hacksaw Ridge هو أفضل فيلم في 2016 حتى الآن لما يحويه من توثيق دقيق لقصة ديسموند دوس والرسائل العميقة التي يرسخها والإخراج المبهر لميل جيبسون.
فضاءٌ أوسع 