نظرة من زاوية مختلفة

قد تختلفون معي وقد تتفقون .. ولكنني أنظر لهذا الأمر من زاوية مختلفة قليلة.

 تداولنا فيما بيننا ذلك المقال السبلاوي (نسبة للسبلة) حول فساد وزارة الأسكان. ورغم الحماس الذي انتابنا والصدمة التي اعترتنا ونحن نقرأ تلك المعلومات، إلا أنه لا يفوتنا أن المقال غير موضوعي إطلاقي .. وعندما اقول “غير موضوعي” فإنني أتحدث تحديدا عن الألفاظ المشحونة عاطفيا والتي يقوم فيها الكاتب بتحليل الحقائق (إن كانت فعلا موجودة) بناء على موقفه الشخصي .. فنجده يستخدم مصطلحات مثل “حرامي، لص، خبيث، حقير، رأس الأفعى” وغيرها من الألفاظ التي لا ينبغي تواجدها في مقال يفترض أن يتحرك على إثره الرأي العام.

المقال غير موضوعي أيضا فيما يخص التعميمات التي ساقها الكاتب كافتراض وجود فساد في مكان ما على اعتبار وجود فساد في مكان مشابه، أو التهجم على طائفة اجتماعية فقط لأن أحد من وصفهم بالفساد ينتمي إليهم، وأقتبس هنا :

طاهر اللواتي مسؤول عن المنح. وعن طريق طاهر الفاسد يقوم بمنح الأراضي لمن يشاء وطاهر صاحب الكلمة العليا في الوزارة وكل اللواتي لا يسحبون وإنما يقوم طاهر بالتوسط لهم”

بغض النظر عن صحة ما يورده الكاتب إلا أن تعميما كهذا يسمح لأي فرد من عائلة اللواتي برفع قضية على الكاتب وجهة النشر، لأن كلمة “كل اللواتي” يمكن أن تنقض عبر شخص واحد استلم أرضه بطريقة قانونية.

الكاتب مجهول الهوية طبعا، ولكنه تحدث عن وجود أدلة وأنه سيحضرها عندما يحين الوقت مناسبا. وسواء كان على حق في هذا أو لا إلا أن المقال يبقى ركيكا وغير موضوعي إطلاقا.

ما يضايقني فعلا هو تزامن هذا المقال مع مقال الأخ زاهر العبري في جريدة الزمن، ورغم التشابه في الفكرة (فساد المسؤولين) إلا أن مقال – أو بالأحرى تحقيق – زاهر العبري كان موضوعيا بعيدا عن التحليلات غير المنطقية ومليئا بالأرقام والحقائق التي لا تقبل مجالا للشك. لماذا يضايقني تزامن المقالين؟ لأن القارئ العادي سينظر للمقالين على أنهما وجهان لعملة واحدة وبالتالي يكون بطلان الثاني سببا في بطلان الاول بغض النظر عن الاختلاف الجذري في التوجهات.

قد تسوقني نظرية المؤامرة للاعتقاد أن هناك من يقوم بشكل ممنهج باختلاق مثل هذه القضايا وطرحها بطريقة غوغائية لإعطاء صانعي القرار ذريعة لنفي كل ما له علاقة بمثل هذه التحقيقات التي باتت تهدد منظومة الفساد في المؤسسات الحكومية والخاصة. وقد حدث هذا فعلا عندما وزعت الأجهزة الأمنية عبارات قذف وشتم للسلطان والحكومة هي في الحقيقة على لسان اثنين أو ثلاثة من المتهمين بالإعابة ولكن عندما نشرت تلك العبارات تم تعميمها على جميع المتهمين. يبدو أن هذه الاستراتيجية تتكرر الآن.

بواسطة Badr Al Jahwari

نحن لسنا سوى ما كنا عليه

الأميستاد أو “L’Amistad” كما يسميها الأسبان هي سفينة برتغالية كانت مسرحا لأحد أهم المعارك ضد العبودية حيث كافح الأفارقة للحصول على حريتهم بعد أن تم اختطافهم عنوة من بلدهم الأصلي سيراليون ونقلهم إلى كوبا حيث بيعوا رقيقا.. قضية الأميستاد هي أحد أهم القضايا التي وصلت للمحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية والتي حكمت لصالح الأفارقة وأمرت بإعادتهم إلى موطنهم الأصلي، وتبعت هذه القضية حركة كفاح العبودية التي كانت أحد الأسباب التي أدت إلى اشتعال الحرب الأهلية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1861م.

في عام 1997م قام المخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرج بنقل قصة الأميستاد إلى الشاشة الفضية ليقدم للعالم أحد أروع الأفلام السينمائية التي تجسد الحرب بين الحرية والعبودية.. والنص الذي بين يديكم هو جزء من المرافعة الختامية في جلسة الاستئناف الأخيرة التي حكمت لصالح الأفارقة، وقام بالمرافعة الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية جون كوينسي آدمز(1) الذي لعب دوره الممثل الأمريكي أنتوني هوبكنز. 

ملاحظات:

1) هذه الترجمة ليست ترجمة سمعبصرية (subtitling) للفيلم، وإنما ترجمة أدبية بلاغية متصرفة نوعا ما، هدفها إنتاج نص أدبي باللغة العربية.

2) تبدأ الترجمة من الدقيقة 1:45

حضرة القاضي…

إنني حقا أقف عاجزا أمام الطريقة الرائعة التي قام بها زميلي السيد بالدوين بالمرافعة في هذه القضية بما لا يترك لي مجالا لإضافة أي شيء آخر.

ولكن، لمَ نحن هنا؟ كيف يمكن أن يتم تهويل قضية ملكية عادية بهذه الطريقة بحيث تعرض على المحكمة العليا بالولايات المتحدة الأمريكية؟ هل نخاف من المحاكم الدنيا – التي حكمت لصالحنا – أن تكون قد أغفلت الحقيقة؟ أم أنه ذعرنا من الحرب الأهلية ما جعلنا نرمي بأكوام الرمزية على قضية عادية لم تطلب هذا أساسا، ونجد أنفسنا الآن نشيح بوجوهنا عن  الحقيقة رغم وضوحها وضوح الشمس؟

في الواقع لقد سيقت الحقيقة من هذه القضية مثلما يساق العبيد.. رُمِيَت من محكمة لأخرى وتركت بائسة.. محتقرة.. معدومة.. ودعوني أضيف بأن هذا ليس بفطنة قانونية من جانب الأصوات المعارضة وإنما هي سلطة المكتب التنفيذي التي تطال كل شيء.

هذه ليست قضية ملكية عادية أيها السادة، بل إنها أهم قضية تعرض أمام هذه المحكمة، لأن ما يهمنا في الواقع هو طبيعة النفس البشرية.

(يأخذ بعض الأوراق من على طاولته)

 آه.. هذه بعض نسخٍ لرسائل كانت تبادلها وزير خارجيتنا (جون فروسيث) وملكة إسبانيا (إيزابيلا) الثانية، وأرجو أن تسمحوا بالاطلاع عليها كجزء من مداولاتكم..  شكرا..

لن أتطرق إليها الآن إلا لأشير إلى عبارة تكررت كثيرا مما أثار فضولي، فالملكة تشير مرارا وتكرارا إلى محاكمنا بأنها “عديمة الكفاءة”. دعونا نتساءل إذاً، ما الذي يرضيها؟ أتريد محكمة تحكم ضد الأفارقة؟ لا أعتقد ذلك.. وهنا تحديدا مربط الفرس، فما تريده جلالتها هو محكمة تعمل كمحاكمها.. محاكم تلعب بها هذه الطفلة ذات الحادية عشر في مملكتها السحرية التي تسمى إسبانيا.. محاكم تفعل ما تؤمر.. محاكم تلعب بها كدمية.. (يضحك) إنها تريد محكمة يفخر بها – كما هو الحال – رئيسنا مارتن فان بورن (2).

هذه نشرة تصدر من مكتب الرئيس.. تسمى “النشرة التنفيذية” وأنا على يقين بأنكم قد قرأتموها، أو على الأٌقل أنا متأكد بأن الرئيس يأمل أن تقرؤوها.. هذا عدد جديد وبه مقال بقلم “أحد عقول الجنوب النيرة” والذي يؤكد أنه “لم يحدث وأن عاش أي مجتمع متحضر إلا وازدهرت جماعة منه على أكتاف أخرى. ولو عدنا بالزمن لأبعد ما نتصور، للعصور الغابرة، لوجدنا التاريخ يثبت هذا، فحتى في الجنة حيث عاش شخصان فقط إلا أن أحدهما كان دائما تابعا للآخر، فلطالما رافقتنا العبودية في حياتنا، وهي ليست بإثمٍ أو عملٍ لا أخلاقي، بل كما أن الحرب والعدوان هما من طبيعة النفس البشرية فإن العبودية طبيعية أيضا وحتمية.”

أيها السادة.. أنا أخالف عقول الجنوب النيرة، وأخالف الرئيس الذي يتفق مع وجهات نظرهم، لأن طبيعة النفس البشرية في نظري – وأعلم أن هذا الموضوع مثير للجدل – هي الحرية..

هي الحرية..

والدليل على هذا هو المدى الذي يصل إليه الإنسان سواء كان رجلا أو امرأة أو طفلا لاستعادة حريته إذا ما  سلبت منه، فيحطم السلاسل التي تقيده ويقضي على أعدائه.. سيكافح ويناضل ضد الاستعلاء ويتحمل جل أنواع الأذى ليعود إلى وطنه.

(ينظر إلى سينك)

سينك (3).. هلا وقفت من فضلك كي يراك الجميع..

هذا الرجل أسود.. يمكننا جميعا رؤية ذلك، ولكن بإمكاننا أن نرى أيضا ونتفق على أنه البطل الحقيقي الوحيد في هذه القاعة؟ لو كان أبيضا لما كان هنا يكافح من أجل حياته، لو كان أبيضا ومستعبدوه إنجليز لما استطاع أن يقف من ثقل الأوسمة والميداليات التي سنغمره بها.. سيتغنى به الشعراء، ويكتب عنه أعظم المؤلفون، وسترو قصته مرارا وتكرارا في قاعاتنا الدراسية.. أما أطفالنا فإنهم سيتذكرون اسمه – لأننا سنعمل على ذلك – تماما كما يتذكرون اسم باتريك هنري.

(ينظر إلى صحيفة معلقة على الحائط)

ولكن.. لو كان أهل الجنوب على حق.. فماذا سنفعل بهذه الوثيقة المزعجة والمخجلة التي نسميها “إعلان الاستقلال”؟ ماذا عن عجرفتها؟ “جميع البشر يولدون سواسية.. حقوق ثابتة.. الحياة.. الحرية”.. إلخ. ماذا سنفعل بها؟ لدي اقتراح متواضع.

(يمسك بورقة ويمزقها)

قبل بضع ليالٍ كنت أتحدث مع صديقي سينك.. لقد أتى لزيارتي وكنا معا في البيت الزجاجي، وأخبرني أنه إذا ما وقع أحد من (المندة) – وهذا اسم قبيلته – في معضلة وفقد الأمل تماما فإنه يقوم باستحضار أرواح أسلافه.. وهذه عادة قبلية فالمندة يؤمنون بأنه إذا تمكن أحدهم من استحضار أرواح أسلافه فهذا يعني أنهم لم يرحلوا، وأن القوة والحكمة التي خلفوها ستأتي للمساعدة.

(يمشي باتجاه تماثيل لرؤساء سابقين للولايات المتحدة)

جيمس ماديسون.. ألكسندر هاميلتون.. بنجامين فرانكلين.. توماس جيفرسون.. جورج واشنطن.. جون آدمز..

لطالما قاومنا الرغبة في طلب المساعدة منكم، لربما خفنا من أننا لو فعلنا ذلك لاضطررنا للاعتراف بأن شخصيتنا الفردية التي نفخر بها ليست تماما ملكنا.. لربما خفنا من أننا لو طلبنا منكم المساعدة لاعتبر ذلك ضعفا.. ولكننا أخيرا عرفنا أن هذا ليس صحيحا، أصبحنا نعرف ذلك الآن، واصبحنا نعرف – بل أصبحنا على يقين – بأننا لسنا سوى ما كنا عليه. إننا في أمس الحاجة إليكم.. إلى قوتكم.. إلى حكمتكم.. لننتصر على مخاوفنا.. على إجحافنا.. على أنفسنا.. امنحونا القوة لنقوم بما هو صحيح، وإن كان هذا يعني حربا أهلية فأهلا بها، وعندما تبدأ فلتكن المعركة الأخيرة في الثورة الأمريكية.

ذلك كل ما أردت قوله.

الحواشي:

  1. جون كوينسي آدمز هو الرئيس السادس للولايات المتحدة (1825 – 1829) وقد لعب دور محامي الدفاع للأفارقة المختطفين في قضية الأميستاد.
  2. مارتن فان بورن هو الرئيس الثامن للولايات المتحدة (1837 – 1741) وقد أعرب عن معارضته لحملة كفاح العبودية معللاً أنه “لن يتدخل في شان العبودية ما دامت موجودة”.
  3. سينك هو أحد الأفارقة الذين كانوا على متن الأميستاد حيث حرر نفسه من القيود وقاد الثورة ضد المستعبدين على متن السفينة.
  4. باتريك هنري هو أحد المناضلين من أجل الحقوق الفردية في الولايات المتحدة، وأصبحت كلماته “أعطوني حريتي أو اقتلوني” جزءا من التراث الأمريكي.

قيموا أنفسكم قبل أن…

king_executioner_evaluation_form_248675

 

 

 

(1)

حضرت اجتماعا لضبط الجودة في جامعة السلطان قابوس.. تطرق الحوار للتقييم الفصلي حيث يقوم الطلبة بتقييم المقرر والمحاضر.. تحدث أحد الحضور عن أهمية هذا التقييم خاصة أنه بات معيارا رئيسيا للتوظيف في كثير من المؤسسات التعليمية.. التفتت إلى الأكاديمي البدين الذي على يميني والذي يحمل حرف (د) قبل اسمه وسألته عن رأيه فقال “آخرتها أطفال يقيمونا احنا!”

(2)

كان التقييم الفصلي ورقيا، يوزع المحاضر استمارة التقييم ثم يخرج من القاعة ليقوم الطلبة بتعبئتها بهدوء ثم يجمع أحد الطلبة تلك الاستمارات ويرسلها لإدارة الكلية. أما اليوم فهي إلكترونية بحيث يقوم الطالب – متى ما سنحت له الفرصة – بتعبئة الاستمارة على الانترنت ثم إرسالها. وبالتالي لا يوجد أي حافز للطلبة على تعبئة الاستمارة مما أدى إلى تدني نسبة المشاركة في التقييم إلى أقل من 50% مما يعني أنه لا يمكن بناء أي قرارات استنادا إلى هذه النسبة.

(3)

قال أحد الخريجين “قمنا جميعا بإعطاء درجة (صفر) لأحد المحاضرين، فتفاجأنا بتعيينه عضوا في مجلس الدولة.

(4)

في أحد المقررات التي أقوم بتدريسها طلبت من الطلبة القيام بعرض عن موضوع يختارونه على أن يتم تقييمهم من قبل زملائهم في الصف (وفق معايير محددة). أغلبية الطلبة رفضوا قائلين “احنا بعدنا طلبة، ما نعرف نقيِّم”. إحدى الطالبات قالت “معظم من في الصف طالبات. لو كان معنا طلاب لكان تقييمهم أفضل”.

(5)

يجب أن نعترف، كثير من أعضاء الهيئة الأكاديمية يستحقون لقب “ديناصورات” ليس لقدمهم في هذه المهنة فحسب ولكن لطريقة تعاطيهم مع المستجدات. كثير منهم يعترف بالمثل الإنجليزي القائل “You cannot teach an old dog new tricks” ولكن ماذا لو كانت هذه الخدعة في صميم عملك الأكاديمي؟ هل يمنعك كبريائك من تعلمها؟

كثير من هؤلاء الأكاديميون يطلبون – على مضض – من طلبتهم تعبئة استمارة التقييم الفصلي، وما أسعدهم عندما أصبح هذا التقييم إلكترونيا فلا يضطر هذا المحاضر إلى إضاعة وقته في توزيع تلك الاستمارات التي لا يعترف بها إصلا.

(6)

إن أهمالنا في ترسيخ مفهوم التفكير النقدي والنقد البناء وضعنا في حلقة مفرغة، فالأساتذة يتعللون بأن الطلبة لا يجيدون التقييم، والطلبة يتعللون أن الأساتذة لا يعيرون بالا لتقييمهم فما الفائدة من إضاعة الوقت في ذلك؟

الإشاكلية الأكبر أن هذه النظرة السلبية على مفهوم التقييم انعكست على الطلبة في تقييمهم لأنفسهم ولزملائهم في الصف، فقد أيقنوا أنهم فعلا لا يملكون الخبرة أو المؤهلات ليقيموا أحدا، رغم أن معظم الجامعات حول العالم تعتمد بشكل رئيسي على تقييم الزملاء  peer evaluation.

إن أردنا فعلا أن نجعل من التقييم الفصلي أداة تطوير فعلية وليس أضحوكة في أيدي بعض الأكاديميين فعلينا القيام بالآتي:

1-    ترسيخ مفهوم النقد الإيجابي لدى الطلبة عن طريق استخدامه كوسيلة تدريسية لتطوير مهاراتهم النقدية.

2-    جعل التقييم الفصلي إلزاميا على جميع الطلبة، بحيث لا يمكن للطالب من تسجيل مقررات الفصل القادم إلا بعد تسليم استمارة التقييم لجميع مواد الفصل السابق.

3-    تفعيل أهمية التقييم الفصلي في نظام الترقيات بالجامعة.

بواسطة Badr Al Jahwari

بعيدا عن سطوة التكنولوجيا

waldorf-articleLarge

ترجمت قبل بضعة أشهر مقالا بعنوان “رقميّون أصليون.. رقميَون مهاجرون” في مجلة الفلق الإلكترونية http://alfalq.com/archives/3500 يتحدث عن الفجوة الرقمية بين الأجيال وتحديدا بين الأساتذة وطلبتهم. بيد أنه من الأهمية بمكان أن ننظر إلى هذه الفجوة ليس على أنها مجرد حقيقة يجب التعايش معها وأخذها كيفما جاءت، وإنما التعامل معها للوصول إلى أفضل النتائج.
وفي هذا الإطار تتسابق المؤسسات التعليمية في دمج التكنولوجيا في الصف الدراسي لما أثبتته “علميا” من نتائج إيجابية على العملية التعليمية خاصة في المراحل الدراسية الأولى لما تضيفه من متعة وتشويق وتفاعل مع المستجدات.
بيد أن هناك من يرى أن استخدام هذه التكنولوجيا في المراحل الدراسية الأولى هو كدس السم في العسل، إذ أن خطرها أكثر من فائدتها. وهذا ما تتفق عليه مدارس “وولدورف” في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي قررت الابتعاد عن سطوة التكنولوجيا واتخاذ فلسفة تعليمية تعتمد بشكل أساسي على المهارات الحركية والأنشطة التفاعلية الإبداعية، إذ يؤمن العاملون في هذه المدارس بأن الحواسيب تعيق التفكير الإبداعي والتفاعل البشري.
وتمتد فلسفة “وولدورف” لأكثر من قرن وفي أكثر من 160 مدرسة في الولايات المتحدة، ورغم التطور السريع في التكنولوجيا الرقمية إلا أنها حافظت على رؤيتها ورسالتها. بل والغريب في الأمر أن إحدى أكبر مدارس “وولدورف” هي مدرسة الخليج في كاليفورنيا بالقرب من سيليكون فالي حيث يمتركز عمالقة التكنولوجيا من مثل أبل وجوجل وياهو وهيوليت باكارد. والأغرب من هذا أن كثير من العاملين في هذه الشركات الكبرى يرسلون أطفالهم إلى مدرسة “وولدورف” إيمانا بأن للتكنولوجيا وقتها وهو حتما ليس في هذه السن المبكرة. ويقول ألان إيجل وهو يحمل شهادة جامعية في علوم الكمبيوتر “إنه من السخافة فعلا أن أعتقد أن أطفالي يمكنهم تعلم القراءة والرياضيات باستخدام الآيباد بدلا من التفاعل مع زملائهم في الصف!”
وتبتعد الصفوف دراسية في مدارس “وولدورف” عن أي أجهزة إلكترونية، بل تستخدم الأدوات التقليدية كالطباشير والصلصال والمجسمات، ففي حصة الرياضيات مثلا يقوم المدرس بتقطيع التفاح والبرتقال ليعلم الطلبة مبادئ الكسور، وفي حصة أخرى يقوم الطلبة بتعلم النسيج لأنها تكسبهم مهارة التنسيق وحل المعضلات الحسية.
قد تبدو فلسفة “وولدورف” مبالغا فيها خاصة في مجتمع استهلاكي كالمجتمع العماني حيث أصبح أمرا طبيعيا أن يمتلك الطفل آيباد وهو لم يدخل الحضانة بعد، ولكن الرسالة واضحة: التعليم لا يأتي من التكنولوجيا وإنما من الفلسفة التعليمية التي ننتهجها، لا مانع من استخدام هذه التكنولوجيا إن أضافت جديدا، ولكن إن كان استخدامها هو فقط من أجل الانغماس أكثر في هذه العالم الرقمي فهو توجه خاطئ. علينا أن نبتعد قليلا عن سطوة التكنولوجيا وندرك الاحتياجات الفعلية لأطفالنا والمهارات الحياتية التي هم بحاجة إليها ثم بعد ذلك نقرر ما إذا كان هذا الآيباد حاجة ماسة أم مجرد ترف!

بواسطة Badr Al Jahwari